الداهية والهلفوت.. الحلقة الثالثة.. مرسى يبحث عن ولاء السيسى الشخصى برأس طنطاوى الطائر.. السيسى قال لمرسى بعد تكليفه: الجيش لن يكون إلا تحت قيادتك أنت بحكم الشرعية التى منحها لك الشعب
هناك مفتاح واحد يمكن من خلاله أن ندخل إلى الباب الكبير الذى يخفى خلفه علاقة عبدالفتاح السيسى «وزير الدفاع» ومحمد مرسى «الرئيس».
مفتاح حددته إجابة السيسى على سؤال وجه إليه فى واحد من الحوارات القليلة جدا التى أجراها بعد 30 يونيو «السيسى فعليًا أجرى حوارين الأول لمجلة 7 أيام وأجراه الزميل إياد أحمد، والثانى لجريدة المصرى اليوم وأجراه الزميل ياسر رزق».
كان السؤال نصًا: هناك من يقول إنك كنت تنوى عزل مرسى منذ اليوم الأول لتوليك قيادة القوات المسلحة؟
وكانت الإجابة نصًا أيضًا: القوات المسلحة المصرية ليست قوات انقلابية وتحترم الشرعية، وكانت تتعامل مع الدكتور محمد مرسى على أنه رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ولكن هذا لا يعنى أن يكون ولاء الجيش المصرى على حساب إرادة الشعب.
المفتاح بتكثيف شديد يمكن أن نعثر عليه فى عقيدة الجيش المصرى التى يمثلها الفريق السيسى، وهى عقيدة تقوم على احترام الشرعية والانحياز التام والكامل لمن يحملها.
وإذا قلت كيف ذلك والجيش انحاز ضد مرسى فى معركته مع الشعب رغم أنه كان منتخبًا وحاملاً للشرعية؟
أقول لك إن كلمة الشرعية وحدها لا تعبر عن عقيدة الجيش، بل لابد من إضافة كلمة الشعبية لها، فالجيش يحمى «الشرعية الشعبية».. ولا يلتفت كثيرا إلى الشرعية السياسية الانتخابية إذا ما تآكلت.. والتاريخ الطويل يقول ذلك ويؤكده، فعلها عرابى ضد الخديو توفيق.. وفعلها جمال عبدالناصر ورجاله ضد الملك فاروق.. وفعلها طنطاوى ورجاله ضد مبارك.. وأخيرًا فعلها السيسى والذين معه ضد محمد مرسى والإخوان المسلمين.. فالشعب هو الذى يحدد بوصلة الجيش.
ولذلك دخل السيسى مع محمد مرسى فى مرحلة من الوفاق بعد تعيينه وزيرا للدفاع، ليس لأن مرسى تفضل عليه واختاره- كما يحلو للإخوان ترويج ذلك- ولكن لأنه كان هو الرئيس المنتخب فى انتخابات أشرف الجيش عليها بنفسه.. ولم يكن السيسى مراوغًا عندما قال لمرسى- صرح هو بذلك فى واحدة من كلماته القليلة المذاعة: الجيش المصرى لن يكون إلا تحت قيادتك أنت بحكم الشرعية التى منحها لك الشعب ولن يكون تحت قيادة آخر سواك.
الوفاق بين السيسى ومرسى كان وفاقًا سياسيًا أكثر منه نفسيًا. فلا يمكن أن نتجاهل التراث الطويل بين الجيش والإخوان، وهو تراث يقوم على الكراهية والتربص على الأقل من قبل الجماعة.. ثم إن هناك من بين رجال القوات المسلحة من أفزعهم أن يكون قائدهم الأعلى من بين أبناء الجماعة، التى هى فى حقيقتها تمثل خطرًا على مصر ربما بأكثر مما تمثله إسرائيل نفسها.
قبل أن يتم تعيين الفريق السيسى وزيرا للدفاع، كان المشير طنطاوى وسامى عنان قد دشنا محمد مرسى قائدًا أعلى للقوات المسلحة فعلًا لا قولًا، عندما أديا له التحية العسكرية وهو فى بيتهما بمعسكر الهايكتسب، ورغم أنهما فعلا ما يعتقدان أنه صواب، فإن الموقف ذاته ترك أثرًا سلبيًا لدى كثيرين من قادة القوات المسلحة.
وعندما حضر مرسى أول احتفال عسكرى فى عهده بتخريج دفعة من الكلية البحرية- كان احتفالاً بتخريج الدفعة 63 وتوالت بعدها الاحتفالات بتخريج الكليات العسكرية- بدا على الموجودين من القادة حالة من الاستياء الشديد بسبب تصرفات سامى عنان الذى كان وقتها لا يزال رئيسًا لأركان حرب الجيش، حيث بالغ فى الحفاوة بأعضاء جماعة الإخوان، وحاول التقرب من أحمد فهمى نسيب مرسى ورئيس مجلس الشورى بصورة كانت مستفزة لكثيرين ممن حضروا الاحتفال.. فقد سأله بنفسه عن القهوة التى يشربها، ثم قام ليطلبها له.
أحد شهود الاحتفال قال لى: كنت أشعر أن القادة يحضرون مأتما كبيرا، وليس احتفالًا، خاصة أن مرسى أخذته الجلالة وتعامل وكأنه قائد عسكرى راسخ فى العسكرية، ولعلك تذكر صورته الشهيرة وهو فوق إحدى القطع البحرية يلوح للفراغ.. وهى الصورة التى جلبت عليه كثيرًا من السخرية.
منحت هذه الاحتفالات مرسى نوعًا من القوة التى يحتاجها، فالقائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان يفسحان له الطريق تماما ليمارس دوره كقائد أعلى، وهو ما دفعه إلى أن يهدد معارضيه وهو يلقى كلمته فى الاحتفال بتخريج الدفعة 106 من الكلية الحربية فى 17 يوليو 2012، عندما قال نصًا: «أقول للذين يتطاولون أو يجرحون الناس، وهم عدد قليل أقول لهم لا يغرنكم حلم الحليم».
لقد أراد مرسى أن يمنح تهديده لمعارضيه قوة ففعلها وهو بين رجال القوات المسلحة، اعتقادًا منه أن الجيش أصبح جيشه، وأنه سيكون تحت أمره فيما يريد أن يفعله، وهو ما ظل معه حتى خطابه فى قاعة المؤتمرات يوم 26 يونيو 2013، عندما لوح بأن من يعتدون عليه سيحاكمون عسكريا لأنهم يعتدون على القائد الأعلى للقوات المسلحة.
روح القائد الأعلى للقوات المسلحة التى تلبست مرسى هى التى استقبلت السيسى فى القصر لحظة حلفه لليمين، وهى التى جعلته يعتقد أن وزير الدفاع الجديد سيكون طوع بنانه وعند أطراف أصابعه، ثم إن رأس طنطاوى الطائر والذى لحقه رأس عنان من المؤكد أنه سيكون درسًا للسيسى.. فهو أمام رئيس قوى يستطيع فى لحظة أن يتخلص من وزير دفاعه.
على الجهة الأخرى، كان السيسى يرى أن محاولات مرسى الاستعراضية للتأكيد على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة لا تروق للكثيرين فى القوات المسلحة، وهو ما بدأ مرسى يلاحظه.
لقد حضر مرسى مناسبات عسكرية عديدة، وكان السيسى إلى جواره محافظا على المسافة الفاصلة بينهما، وفى كل منها كان ينتظر أن يؤدى له القادة التحية العسكرية، إلا أنه لاحظ فى أحد المناسبات أن عددا من القادة يخلعون البيريهات ويمسكون بها فى أيديهم- العرف العسكرى يقول إنه لا تحية عسكرية بدون غطاء الرأس- وكانت المفاجأة أنه قال لهم: أنتم تخلعون البيريهات لأنكم لا تريدون أن تؤدوا لى التحية العسكرية.. أليس كذلك؟
كان مرسى قائدًا عسكريًا بلا أهلية كاملة إذن بالنسبة لقادة الجيش.. لكن هذا لم يدفع الفريق السيسى إلى التفكير فى إزاحته أو الانقلاب عليه.. بل أدرك أنه كى ينجح فى التعامل مع مرسى، فلابد أن يراعى الجوانب النفسية أكثر من الجوانب السياسية فى العلاقة بينهما.
هذا المنهج فى التعامل مع محمد مرسى كرئيس- نفسيا وليس سياسيا- هو الذى جعل الفريق السيسى يستوعب جيدًا ما فعله مرسى فى الاحتفال بنصر أكتوبر 2012، وهو الاحتفال الذى أغضب قادة القوات المسلحة بمستوياتهم المختلفة، من خرج منهم من الخدمة ومن كان منهم على ذمتها لا يزال.
دعا الرئيس الإخوانى من قاموا بالاشتراك فى قتل من صنع النصر، وتجاهل أصحاب النصر الحقيقيين، دخل إلى الاستاد فى سيارة مكشوفة يلوح لآلاف الحاضرين، وكأنه من صنع النصر وحده.
وقتها لم يعاتب السيسى الرئيس الإخوانى، ولكن استقر الأمر لديه على تفسيرين أساسيين:
الأول: أن محمد مرسى بالفعل لا يفهم ما هى الدولة، ولا يزال لا يستوعب مهام الرئيس، ولذلك فإنه يتورط فى أمور لا يعرف أنها يمكن أن تضره، ولذلك فإنه لو كان يعرف أن دعوة من قتلوا السادات إلى الاحتفال بنصر كان السادات رمزه لما أقدم على ذلك.. وهذا ما يمكن أن نسميه العذر بالجهل.
الثانى: أن محمد مرسى أراد أن يدعو إلى الاحتفال من يرونه كبيرا، ومن هم على استعداد أن يتقبلوا منه أى شىء يقوله، بل ويرددوه دون مناقشة، ولذلك دعا أنصاره وحلفاءه ورجاله الذين سيصفقون له باعتباره الزعيم.. أما لو دعا المختلفين معه، فهؤلاء لن يقروه على ما يفعله أو يقوله، لأنهم يعرفون جيدا أنه لم تكن للإخوان أى علاقة بنصر أكتوبر.. وهذا ما يمكن أن نسميه العذر بالخلل النفسى الذى كان يعانى منه مرسى.
قرر السيسى أن يتعامل مع محمد مرسى كرئيس منتخب له كل الحقوق ومعه كل الشرعية، وأعتقد أن الجهة الوحيدة التى حرصت على أن تمنح محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين فرصة فى الحكم من أجل أن ينجحوا كانت القوات المسلحة.. كل المؤسسات كانت ضد الإخوان، إلا الجيش الذى تعامل مع الأمر بحيادية مطلقة واحترافية عالية.. ولم يصدر أحكاما مسبقة على مرسى لا بالنجاح ولا بالفشل.
فى مناسبات عسكرية عديدة كان مرسى إلى جوار الفريق السيسى، لكن الفارق بين حضوره معه وحضوره مع طنطاوى وعنان، أن حالة من التحفظ كانت تغلف لقاءات مرسى مع قيادات القوات المسلحة، لم تكن هناك حالة الحفاوة التى يبديها طنطاوى وعنان.. كان التواجد رسميا إلى حد كبير.. وقد سعى السيسى إلى تقليل تواجد محمد مرسى على ساحة القوات المسلحة، لأنه كان قد قرر أن يبتعد بالجيش تماما عن ممارسة السياسة بشكل مباشر، وأعلن فعليا العودة بالجيش إلى ثكناته.
كان السيسى يعرف الأضرار الجسيمة التى أصيب بها جسد الجيش المصرى بسبب نزوله إلى الميادين والشوارع بداية من 28 يناير 2011، وأهمها حالة الاستباحة التى تعامل بها الشعب مع الجيش.. وهى استباحة جعلت قادة الجيش فى متناول الأيدى.. وكم كان مفزعًا لأفراد الجيش هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».
كان هذا الهتاف تحديدًا من صناعة جماعة الإخوان المسلمين.
أحد شباب الثورة أكد لى أن هذا الهتاف ظهر لأول مرة فى مارس 2011 أى بعد مرور ما يقرب من شهر فقط على تخلى مبارك، وكان السبب فيه ما تردد بعد فض اعتصام 26 مارس عن اختبارات كشف العذرية التى أجريت للمعتقلات فى السجن الحربى.
لكن ما لا يعرفه هذا الشاب أن هذ الهتاف كان صناعة خالصة للإخوان المسلمين، وأنهم ألقوا به فى الشارع السياسى، وهم يعرفون جيدًا أن الثوار والقوى السياسية ستلتقطه وتردده.. لأن الإخوان منذ اللحظة الأولى لسقوط مبارك كانوا يعرفون أن مواجهتهم لن تكون إلا مع الجيش، لأنه لم تكن هناك قوة أخرى يمكن أن تقف فى مواجهتهم وتحول دون وصولهم إلى أهدافهم سواه.. وهو ما حدث بالفعل فقد التقطت القوى السياسية الطعم.. وهضمته جيدا، وكان للإخوان كل ما أرادوا.
أراد السيسى أن يسترد جنوده لياقتهم، ويبتعدوا عن المواجهات الموجودة فى الشارع، ولأنه يدرك أن الحالة النفسية لقواته تحتاج إلى دعم كبير، فقد شارك بنفسه فى التدريبات، وحضر أكثر من طابور صباحى، وظهر فى الصور وهو يقود جنوده ويعدو أمامهم، فى رسالة واضحة إلى أن الجيش عاد إلى مهمته الأساسية وهى التدريب والإعداد من أجل حماية الأمن القومى المصرى وحماية الحدود، بعد أن اختار الشعب رئيسه.
لكن الملاحظة الأساسية فى المرحلة التى يمكن أن نعتبرها تعكس حالة الوفاق بين السيسى ومرسى، والتى دامت فى الفترة من 12 أغسطس 2012 «اليوم الذى تم تعيين السيسى فيه وزيرا للدفاع» إلى 23 نوفمبر 2012 «اليوم الذى أعلن فيه محمد مرسى الإعلان الدستورى الذى حصن به قرارته وأقال النائب العام عبد المجيد محمود وقضى بعدم حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية للدستور».. أن هناك حالة من التقارب الإنسانى جرت بين مرسى والسيسى، وأن وزير الدفاع كان يتردد كثيرا على قصر الاتحادية، وكان يجتمع كثيرًا مع الرئيس.
فى الغالب لا تكون هناك لقاءات كثيرة بين الرئيس المصرى ووزراء دفاعه.. فحدود العلاقة معروفة.. لكن مرسى كان يريد الفريق السيسى إلى جواره، كان يثق فى رأيه، ويطمئن إلى إخلاصه، ولم يكن السيسى يبخل بالرأى أو المشورة خلال هذه الفترة أبدًا، فهو ترك الرئيس يعمل بمفرده تمامًا، لم يمل عليه قرارًا ولم يحاصره بالنصائح، بل اكتفى بتقديم الرأى فقط.
كان السيسى يعرف أنه أمام رئيس بلا قدرات تقريبا، كان مقتنعا أنه لا يفكر مطلقا فى أن يكون رئيسا لكل المصريين، فعندما سئل: هل يستطيع محمد مرسى أن ينفصل عن جماعته ويصبح رئيسًا للجميع؟
قال بفهم كامل لطبيعة شخصية الرئيس المعزول: المشكلة ليست فى أنه يستطيع، ولكن المشكلة فى هل هو يريد أن يفعل ذلك أم لا.. ورغم ذلك كان السيسى يحاول أن يساهم فى إنجاح الرئيس.. وأن يمنحه الفرصة ليعمل.
بعد الإعلان الدستورى- الذى قسم الشعب بالفعل فأصبح لدينا إخوان ومصريين- تحولت نظرة السيسى إلى محمد مرسى، فهو ليس أمام رئيس يريد أن يكون لكل مواطنيه، ولكنه رئيس يريد أن يمنح نفسه لأتباعه فقط، وقد تكون كلمة مرسى للسيسى التى أكد فيها أن الإخوان جاءوا للحكم ليحكموا 500 سنة رنت فى أذنه وقتها، فها هو المشروع يتحقق، وها هو مرسى يتصرف وهو مطمئن تمامًا إلى أن وزير الدفاع معه فهو مخلص له ولن يفكر مطلقًا فى أن يعارضه.
هل آن الأوان لتبدأ مواجهة بين وزير الدفاع وبين الرئيس؟
أعتقد أنه آن تمامًا.
بعد الإعلان الدستورى الذى خرجت مئات الآلاف من الشعب المصرى لإسقاطه، قدم السيسى لمحمد مرسى نصيحة مباشرة، بأن يجمع القوى السياسية المختلفة، وأن يستمع إليها ويتواصل معها، ويصل إلى حل يرضى جميع الأطراف قبل أن تنفلت الأمور من بين يديه، وقدم له تقدير موقف، وضع من خلاله تخوفات محددة من أن تصل الأمور إلى مرحلة الاقتتال والمواجهة المسلحة بين الشعب المصرى.
المواجهة بين الرئيس ووزير الدفاع لم تكن للصراع على الأدوار، ولكنها كانت من أجل الخروج من الأزمة التى تحاصر الجميع.. لكن مرسى لم ينصت إلى السيسى وراح يبحث عن الحل لدى جماعته.. فكانت مجزرة الاتحادية التى حدثت مساء 5 ديسمبر 2012 واستمرت إلى ساعات الفجر الأولى من يوم 6 ديسمبر، والتى جاءت على هامش محاولة ميليشيات الجماعة فض اعتصام بضع عشرات من المحتجين على الإعلان الدستورى أمام قصر الاتحادية.. وهى المجزرة التى أثبتت للجيش قبل الشعب أن هناك نواة جيش موازٍ يجهزه الإخوان لحسم خلافاتهم مع الشعب دون الحاجة إلى الشرطة أو القوات المسلحة.
يعتبر السيسى أن ما حدث أمام قصر الاتحادية- وهو حدث رعاه مرسى ورجاله وربما دعوا إليه وحرضوا عليه- كانت البروفة الأولى للاقتتال والحرب الأهلية، ورغم أن ذلك كان كافيًا وحده ليحسم قراره ويواجه مرسى المواجهة الأخيرة، فإنه أجّل هذه المواجهة وقرر أن يمنحه فرصة جديدة.
على صفحته الخاصة عبر الفيس بوك، أعلن المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة، باسم الجيش، الدعوة إلى اجتماع تحضره القوى السياسية المختلفة ويشارك فيه الرئيس، وحدد البيان الذى تبنى الدعوة الفئات التى ستحضر الاجتماع: «مجموعة رئاسة الوزراء، النخبة السياسية، القوى الوطنية من التيارات المختلفة، شباب الثورة، الأزهر الشريف، الكنيسة، نادى القضاة، أعضاء المحكمة الدستورية، المحامين، الإعلاميين، الصحفيين، الفنانين، الرياضيين، العمال والفلاحين».
كانت الفئات التى حددتها الدعوة تعبر عن المأزق الذى يقع مرسى فيه، فهو وحده وجماعته فى جبهة وبقية المصريين جميعا فى جبهة أخرى تماما.
عندما اقترح السيسى على مرسى فكرة جمع القوى الوطنية فى اجتماع بدار الدفاع الجوى أثنى على الفكرة تماما، ورحب بالحضور- الفكرة بالمناسبة لم تكن من بنات أفكار القوات المسلحة، ولكن ألقاها فى طريقهم أحد السياسيين القريبين من المؤسسة العسكرية فراقت لهم- لكن فى اليوم المحدد للدعوة- الأربعاء 12 ديسمبر 2012 - وعندما اتصل السيسى بمرسى للاتفاق على ترتيبات الدعوة، وجد مرسى يقول له: أرجوك ألغ هذه الدعوة، ولم يرد عليه السيسى إلا بكلمة واحدة هى: حاضر.
كان مرسى فى مساحة محددة وضيقة يريد أن ينجح كرئيس، وربما لهذا قبل الدعوة التى كان فيها بادرة أمل للتفاهم، لكنه كان يعلم أن هناك استحقاقات لجماعته التى أوصلته إلى منصبه، عاد إليها كى يستشيرها فأشارت عليه بعدم قبول الدعوة، لأن معناها أن مركز الثقل انتقل من الرئاسة إلى القوات المسلحة، وأن القوى السياسية التى رفضت أن تشارك فى جلسات الحوار التى دعا إليها مرسى، هى نفسها التى لبت نداء السيسى.
كان السيسى يعرف أن ما حدث يسبب حرجًا بالغًا لمحمد مرسى، ولذلك حاول تخفيف الأمر، فأصبح الحديث عن اللقاء الذى تم إلغاؤه عن طريق إبلاغ المشتركين فيه تليفونيا بالأمر- بعضهم كان فى الطريق بالفعل إلى دار الدفاع الجوى- مجرد دعوة على الغداء للم الشمل، وأنها أبدًا لم تكن دعوة للحوار، وزاد السيسى فى تخفيف الحرج عندما أعلن أن سبب إلغاء اللقاء أن بعض المدعوين لم يلبوا الدعوة لأسباب خاصة.. وليس لأن الرئيس رضخ لأوامر جماعته.. التى خافت أن يبدو رجلها مهزومًا فى حضور كل معارضيه.