الامام الشافعي و الامام مالك في أول لقاء
لكن أمه لم تكن امرأة سلبية و لا تافهة
و لم تكن تحيا حسب الحال ..
و لم تكن طائشة كنساء القوم ...
و فهمت الإسلام كرسالة ,
و وهبت نفسها و ابنها للحق كقضية و أمانة ...
فلها مواقف عظيمة جدا , كانت سببا مساندا فى ما وصل له الشافعى من خير
و فى كل فضل جاد به على الأمة حتى اللحظة بفضل الله عليه
.......................
عادت أمه به من فلسطين إلى مكة , و هو ابن سنتين , بعد وفاة والده رحمه الله ، و أرسلته للكتاب (حلقة التحفيظ)
فلم تتركه للهو الصبية فى شوارع مكة , و لم ترسله ليتعلم حرفة و يتكسب مع فقرهما ...
و بارك الله فى نيتها , و أظهر نبوغ صبيها الرائع
حيث حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين
فأى فرحة لأم ترى صغيرها يمهد لها تاجا فى الفردوس
...............
سافرت به أمه الفاضلة للمدينة , ليتلقى العلم عند الإمام مالك , لعلمها أنه أعلم أهل الأرض انظر للقرارات الصادرة من امرأة ! امرأة فى قمة الحرية !
لم تتعبين نفسك و تسافرين مئات الأميال فى الصحارى و القفار!
لم تضع أمامها هدفا أن يتكسب لها رزقا
أو توظفه خبازا أو كاتبا , ليتكسب و يريحها من الجوع والتعب و السفر و قلة النفقة
بل كانت تريد له و للأمة الخير , و تتحمل معه كل أمر
..........
رحمها الله .... تلك هى السيدة الأولى فى عصرها بحق ..الأم المثالية بصدق ! ...
..............................
و تمهيدا للقاء الإمام مالك
حفظ الشافعى و هو صبى كتاب الموطأ كله !! وهو ابن عشر سنين ، لأنه خشى أن يرفضه الإمام مالك لصغر سنه ... فأحب أن يتميز بشئ , ليجعل الإمام يقبله طالبا و يعتنى به !
..........................
و إليكم القصة
طلبت له أمّه النابغة طلبا من والي مكة , ليس وظيفة لابنها الفقير النابه سليل الحسب ...
بل سألته أن يرسل رسالة توصية ليهتم به مالك رحمه الله , و يتبناه علميا ، لله درك يا أم محمد! فأرسل والى مكة مع الشافعى- و هو غلام صغير-
رسالة إلى والي المدينة
فلما وصلت الرسالة إلى والي المدينة وقرأها قال:
يا فتى : إنَّ مشيي من جوف مكة إلى جوف المدينة حافياً راحلاً أهوَن عليّ من المشي إلى باب مالك !! فلستُ أرى الذل حتى أقف على بابه !. (( يعنى الإمام مالك ليس عنده محاباة و لا يهمه أنى والى المدينة أو غيره , فهو عزيز النفس و صارم جدا)) فقال الشافعي : أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر (( يعنى أرسل له يأتيك هو لدار الإمارة)). فقال الأمير: هيهات ... ، ليت أني لو ركبت ُ أنا ومن معي , و أصابنا من تراب العتيق (يعنى تعفرنا من تراب الحي حيث
نلنا بعض حاجتنا!! ( يعنى ليس هو من النوع المهرول و يا ليته لو رحت إليه لبى طلبى !!! فكيف تظنه يأتينى هنا )
و فى النهاية واعده على الذهاب إلى مالك في وقت العصر. وركبنا جميعا ً،
فوالله لكان كما قال ،
لقد أصابنا من تراب العتيق ( تعفرنا ) , فتقدم رجل منا
فقرع الباب , فخرجت إلينا جارية سوداء فقال لها
الأمير: قولي لمولاكِ أني بالباب.
فدخلت ثم
خرجت فقالت: إنَّ مولاي يقرئكَ السلام و يقول
إن كان لديك مسألة فارفقها في رقعة يخرج إليك الجواب
( يعنى اكتب ورقة و سأدخلها و أخرج لك الجواب !! ... يعنى لا تأخر عن فتوى و لا كتمان لعلم)
و إن كان للحديث فقد عرفت
موعد الدرس فانصرِف...
...............
و كان مالك رحمه الله حازما مهيبا , و لا يقبل إزعاجا و لا تضييعا للوقت ..... ) فقال لها الأمير : قولي له إنَّ معي كتاب والي مكة إليه في حاجة
فدخلت وخرجت , و إذا بمالك قد خرج , و عليه المهابة والوقار و هو شيخ طويل ،
فأعطاه الوالي الكتاب المحتوى على التوصية فطفق يقرأه
فلما بلغ إلى هذا: " إنَّ هذا رجل يهمني أمره وحاله فتحدثه ...وتفعل ... وتصنع ...
فرمى مالك الكتاب من يده ثم قال : سبحان الله
أوَصار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخّذ بالرسائل ؟!!!
( بالواسطة و بالتعليمات )
قال الشافعي : فرأيتُ الوالي قد تهيَّب أن يكلِّمه فتقدمتُ و قلت : أصلحك الله ... إني رجل مطلبيّ من بني المطَّلِب , وحدَّثتُه عن حالتي و قضيتي , فلما سمع كلامي نظر إليَ ... و كان
لمالك رحمه الله فراسة فهو مالك بن أنس فقال: ما اسمك ؟
قلت: محمد،
فقال: يا محمد إنه سيكون لك شأن
إنَّ الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه
بالمعصية.
إذا جاء الغد تجيء مصطحباً معك ما
تقرأ به
وطلب منه أن يأتي بمن يقرأ له كتاب الموطأ لصغر سنه , و لكن الشافعي جاءه في اليوم الثاني , و بدأ يقرأ عن ظهر قلب والكتاب معه وكلما قرأ قليلاً شعر بالهيبة من الإمام مالك وأراد أن يقطع القراءة , ولكن الإمام مالك أعجبته قراءته المتقنة فقال: زد يا فتى ،
حتى قرأ عليه الموطأ في أيام يسيرة
و هى فرصة العمر أن يكون مجازا ضابطا لكتاب السنة الأعظم بعد كتاب الله فى وقته ( الموطأ ) على يد من جمعه و كتبه بيده فى عشرات السنين ...! بل أفضل من أى دكتوراة فى زمان الشهادات
ما يأتيني قرشي أفهم من هذا الغلام
وقال:
إن يك يفلح فهذا الغلام
يا الله
كيف فهمتها يا إمام ...أمحدث انت ..أملهم أنت! ..أكشفت الأستار
مالك يسمع الكلمات , و يرى بريق عين الغلام
إنه مالك كأنه يرى بنور الله و صدقت فراسة المؤمن
مالك رحمه الله
رحمهما الله