التجسس الأمريكى على الدول الأوروبية يفجر "أزمة ثقة" بين الطرفين.. الدول الأوروبية تدرس مراقبة حدودها بأنظمة جوية من خلال طائرات بدون طيار.. والبرازيل تعتزم تخزين بيانات الإنترنت
مثلت عمليات التنصت الواسعة لوكالة الأمن القومى الأمريكى على اتصالات عديدة من الدول الأوروبية خاصة الحليفة لواشنطن "صدمة" كبيرة للأوروبيين كانوا لا يتوقعونها، كما أنهم اعتبروا أن ثقتهم اهتزت بشكل كبير بالحليف الأمريكى، وبعض المحللين يعتقدون أن هذه الفضيحة الأخيرة قد تؤثر على العلاقات بين واشنطن وحلفائها فى القارة العجوز لفترة طويلة.
واعتبر المسئولون الأوروبيون أن مثل هذا التجسس غير مقبول على الإطلاق خاصة وأن واشنطن تعتبر حليفة، كما أكد زعماء الاتحاد الأوروبى الذين اجتمعوا فى بروكسيل أن اهتزاز الثقة فى الولايات المتحدة بشأن التجسس على حلفائها قد يضر بالحرب على الإرهاب ودعو إلى وضع ميثاق عمل جديد فى هذا الإطار بحلول نهاية العام، حيث إن انعدام الثقة أيضا قد يضر بالتعاون الاستخباراتى.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية معروفة بـ"هوسها" للأمن القومى والخوف من الإرهاب إلا أنه لا أحد كان يتوقع أنها ستقوم بالتجسس على حلفائها وأصدقائها خاصة من الدول الأوروبية، ولذلك فإن الثقة اهتزت كثيرا بين الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والبرازيل والمكسيك وغيرها من الدول الأخرى، كما أن قضايا الأخيرة أثارت "مخاوف عميقة" وسط المواطنين الأوروبيين.
وقال الألمانى المار بروك الرئيس الحالى للجنة الشئون الخارجية فى البرلمان الأوروبى فى ختام لقاء مع نواب أميركين "لقد اهتزت ثقتنا"، مضيفا "من غير المقبول مثلا أن تتعرض المستشارة ميركل مع غيرها للتنصت خلال أكثر من عشر سنوات". كما قالت ميركل "نحن بحاجة إلى ثقة بين الشركاء، هذه الثقة لابد أن نبينها من جديد، مضيفة "الولايات المتحدة وأوروبا تواجهان التحديات نفسها، ونحن حلفاء، ولكن التحالف يبنى على الثقة، لذلك أقول وأكرر أن التجسس بين الأصدقاء لا ينبغى أن يكون".
وكانت ميركل قد امتلكت كافة الدلائل التى تثبت أن وكالة الأمن القومى الأمريكية تقوم بالتجسس على هاتفها، كما أنها فجرت هذه القضية ليتم الكشف بعدها عن وجود تجسس على دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا والبرازيل، حيث إن فى واشنطن تجسست على 60 مليون مكالمة هاتفية، فيما بين 10 ديسمبر 2012 و8 يناير عام 2013 الجارى، وأن المعلومات التى تم تجميعها لا تشمل مضمون المكالمات التى تم التجسس عليها، ولكن تشمل رقم هاتفى المرسل والمتلقى والرقم التسلسلى للهواتف، ولذلك فقد قام رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوى باستدعاء السفير الأمريكى جيمس كوستاس، لتقديم توضيحات حول أمر التجسس، بعد معرفة أن وكالة الأمن القومى الأمريكية تجسست على 35 رئيسا آخرين فى أوروبا، كما استعدى وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس السفير الأمريكى فى باريس لمناقشة التجسس عليها كما وصفت فرنسا هذا النوع من الأنشطة بين الحلفاء بأنه "غير مقبول".
وتشير المعلومات التى سربها محلل الاستخبارات الأمريكى السابق إدوارد سنودين إلى أن وكالة الأمن القومى الأمريكية راقبت هواتف رجال أعمال ومسئولين وأشخاص آخرين يشتبه بضلوعهم فى الإرهاب، وتجسست واشنطن على 70.3 مليون محادثة هاتفية فى فرنسا خلال 30 يوما فقط فى الفترة ما بين 10 ديسمبر من العام الماضى و8 يناير من العام الحالى، ويبدو أن الوكالة تمكنت أيضا من مراقبة ملايين رسائل الهواتف المحمولة، وأيضا لم يتضح إن كان محتوى المحادثات والرسائل قد حفظ، أم أن المراقبة اقتصرت على معرفة تفاصيل من يتكلم مع من.
ويعقد البرلمان الألمانى جلسة خاصة لمناقشة تقارير التجسس، حيث إنه طالب بإجراء تحقيق علنى يستدعى شهودا من بينهم سنودن، وقال حزب ميركل المحافظ، الذى يجرى الآن محادثات مع الحزب الديمقراطى الاشتراكى لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة بعد الانتخابات التى جرت فى 22 سبتمبر، إنه لن يقف فى وجه أى تحقيق برلمانى فى قضية التجسس.
ومن الواضح أن أوروبا والبرازيل بدأتا فى اتخاذ خطوات لحماية أنفسهما من التجسس الأمريكى حيث اقترح الاتحاد الأوروبى مراقبة حدوده بأنظمة جوية من خلال طائرات بدون طيار، ووفقًا لصحيفة "إنفوديفينسيا" الإسبانية، فإن الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى "كاثرين آشتون" حددت خطة استراتيجية أمنية، قبل اختتام قمة الدفاع الذى سيعقد ديسمبر القادم، مشيرة إلى أن "آشتون" شرحت فى هذه الخطة، أن "هناك حاجة ماسة إلى الإعداد لبرنامج طائرات بدون طيار تكون قادرة على أن تعلو بشكل متوسط لفترات طويلة، والمعروفة باسم "male"، ولكن هناك مشكلة واحدة، وهى أن هذه الطائرات تعمل فى نفس مستوى الطائرات التقليدية، مما يشكل عقبات رئيسية أمام سلامة المجال الجوى.
وأوضحت الصحيفة أن "آشتون" ترغب فى تعزيز النهج الأوروبى للتنمية المستقبلية، والقدرة على تعزيز أمنها، مشيرة إلى أن ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة لديها بالفعل مثل هذه الأنظمة، ولكن فقط لتطوير العمليات العسكرية مباشرة.
وأضافت أن الاتحاد الأوروبى يسعى لتطوير صناعة الطائرات بدون طيار، وتقف على المركبات الجوية بدون طيار التى يمكن أن تستخدم فى كل البيئات العسكرية والمدنية، مثل مراقبة الحدود، ورصد الأنشطة الزراعية، ومراقبة البنى التحتية المدنية ومكافحة الكوارث الطبيعية، والفكرة هى السماح لـ"ذكر" أو بالإسبانية male تتصرف فرق تغييرها بسهولة، وفقًا للـمهمة المطلوب تطويرها فى جميع الأوقات، مضيفة أن المفوضية الأوروبية، ستعتمد سياساتها الجديدة لهذه الأنظمة فى الأسابيع المقبلة، لإعادة التكامل لهذه الأنظمة فى المجال الجوى الذى استغرق سنوات.
أما البرازيل فقد اعتزمت حماية مواطنيها من تجسس أمريكى بوضع مشروع قانون لإرغام شركات الإنترنت العالمية على تخزين البيانات التى تحصل عليها من المستخدمين البرازيليين داخل البلاد، وعلى الرغم من معارضة من شركات متعددة الجنسيات للبرمجيات ومعدات الكمبيوتر والاتصالات، فإن رئيسة البرازيل ديلما روسيف تحث المشرعين على إجراء تصويت هذا الأسبوع على مشروع القانون الذى آثاره الكشف عن عمليات تجسس أمريكية واسعة النطاق على بيانات الاتصالات البرازيلية.
وإذا تم إقراره فإن القانون الجديد قد يؤثر على طريقة عمل عمالقة الإنترنت، مثل جوجل وفيسبوك وتويتر وشركات أخرى، فى أكبر بلد فى أمريكا اللاتينية، وأحد أضخم أسواق الاتصالات فى العالم.
أما صحيفة الموندو الإسبانية فقد رأت أن التجسس التى تم الكشف عنها من قبل وكالة الأمن القومى الأمريكى على المسئولين الأوروبيين زادت من خفض البريق المتبقى للرئيس الأمريكى باراك أوباما، مشيرة إلى أنه فى جميع الحالات فأوباما له دور فى هذه القضية، مشيرة إلى أن الأوروبيين كانوا دائما على علم بأن وكالة المخابرات الأمريكية تنشط فى أوروبا، "لكن التفوق المالى والتكنولوجى الهائل جعل من هذه القضية خدمة خاصة لأمريكا"، إلا أن الفضيحة الحالية لوكالة الأمن القومى الأمريكية أصبحت بمثابة "سم يهدد العلاقات عبر الأطلسى، ومفعوله قوى وطويل المدى قد يدمر الشعور بالتقارب والتحالف ".
ومن ناحية أخرى، قال أوباما أمس الاثنين إنه لابد من أن تميز وكالات الاستخبارات بين قدرتها على المراقبة، وما يطلب منها القيام به، ورفض التعليق على التنصت المفترض على هاتف ميركل، قائلا
عن وكالة الأمن القومى المتخصصة فى الاعتراض الإلكترونى "نزودهم تعليمات"، متداركا "لكننا لاحظنا فى الأعوام الأخيرة أن قدراتهم تتطور وتتسع"، وتم تركيز الضوء على حجم هذه القدرات منذ المعلومات التى كشفها سنودن الذى لجأ إلى روسيا، مضيفا "لهذا السبب أطلقت إعادة تقييم (لهذه العمليات) لأتأكد من ألا يصبح ما يستطيعون القيام به هو ما ينبغى أن يقوموا به".