﴿وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقَلَبٍ ينقلبون﴾
هؤلاء الظلمة نسَوا يوم الحساب.. هؤلاء الظلمة نسَوا الله فأنساهم أنفسهم، أما يوم الحساب فيوم تَشِيبُ لهوله الولدان، ويقف فيه الظالم والمظلوم أمام الملك القوي القاهر لفصل القضاء: المظلوم يطلب حقه فيوفيه الله حقه، حتى إن الشاة الجلحاء تستوفي حقها من الشاة القرناء (التي لها قرون).
أما الظالم فيسوَدُّ وجهه ويطيش قلبه رعبًا وهلعًا، كما قال الحكيم في كتابه العزيز: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ (إبراهيم: 43).
مهطعين: أي مسرعين لتلبية نداء الداعي لهم للقيام من القبور والوقوف في ساحة القصاص يوم القيامة.
"مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم": أي أنهم من شدة الهول عيونهم مفتوحة ولا يستطيعون خفض رءوسهم لهول ما يرون وما ينتظرهم من العذاب.
"وأفئدتهم هواء": أي انخلعت من الصدور رعبًا وفزعًا.
هؤلاء الظلمة: ألم يقرءوا شيئًا من القرآن؟ ألم يعلموا أن الظالمين يأتون يوم القيامة ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ﴾ (إبراهيم: من الآية 49)، أي مكبَّلين في القيود كما كانوا يفعلون ذلك في الدنيا بالمظلومين.
﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ﴾ (إبراهيم: من الآية 50): أي ثيابهم من نُحاسٍ مُذاب من شدة الحرارة، وما أفظع هذا التعبير: النحاس المحمي حتى الذوبان هو ثيابهم، وتغشى وجوهم النار ﴿لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (إبراهيم: 51).
هؤلاء الظلمة: ألا يعرفون أن الظلم ظلمات يوم القيامة؟! ألا يعرفون أن عيونهم قد تنام؟!، لكن المظلوم منتبهٌ يدعو عليهم وعين الله لا تنام.
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدرًا ... فإن الظلم يفضي إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ ... يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
إنهم يستهينون بدعاء المظلومين في الأسحار.. ألا يعلم هذا الظالم أنه يأتي يوم القيامة مُفْلسًا يأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته؟! فإن فنيت حسناته أُخِذ من سيئاتهم فطُرِحت عليهم ثم طرح في النار؟!
وهؤلاء الأتباع أعوان الظلمة يظنون أنهم (عبد المأمور)، وهذا مبرِّر كافٍ لهم لتنفيذ أوامر الأسياد.. هل هذا ينجيكم بين يدي أحكم الحاكمين؟ لا والله.. إن أسيادكم سوف يتبرءون منكم ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ(166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ (167)﴾ (البقرة).
هؤلاء الظلمة الذين نسوا الله.. نسوا أن الله قادر على يبعث عليهم عذابًا من فوقهم أو من تحت أرجلهم أو يلبسهم شيعًا ويذيقهم بعضهم بأس بعض، نسوا أن الموت يأتي بغتة، نسوا أن الله قد يعاقبهم في الدنيا بالأمراض وبالذل، وبعقوق الأبناء وبزوال المناصب وبضياع الأموال، وبالندم والحسرة حين لا ينفع الندم ولا تفيد الحسرة، وأن الله قد يسلط عليهم ظالمًا أعتى منهم ثم ينتقم الله من الجميع بعدله سبحانه.
وإلى أحبائي خلف الأسوار أقول..
تذكروا "صبرا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة"، تذكَّروا عبد الله بن حرام- رضي الله عنه- حينما نفذت فيه الحربة ورأى الدم، وأيقن بالشهادة فقال: "فزتُ وربِّ الكعبة".
لقد فزتم وربِّ الكعبة، انتظروا بشرى الصابرين: صلواتٍ من ربكم ورحمة وهدايةً، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾......