دستور على مقاس الماركسيين والناصريين
د. محمد أبو الغار، وهو شخصية ليبرالية بارزة، وناشط سياسي مرموق، هدد اليوم في مقال له بصحيفة خاصة، بأنه سيصوت بـ"لا" على الدستور الجاري تعديله الآن، بل توقع بـ"ثورة جديدة" لا تُبقي ولا تذر.
والحال أن "أبو الغار" ليس وحده الذي يتشكك في نوايا "الترزية" الجدد.. فقطاع ليس بالقليل يعتقد بأن "النموذج الناصري" قد عاد في صورته المعتمدة على التحالف بين الجهاز البيروقراطي للدولة مع العسكر.. والذي بدت ملاحمه تتضح بتلوين بعض المؤسسات مثل المجلس الأعلى للصحافة، ومجلس حقوق الإنسان ثم لجنة الـ 50 باللون اليساري والناصري "الفاقع".
لا أحد يعرف على وجه الدقة، علاقة "الناصريين" بالنخبة العسكرية حاليا، ويبدو أن القطاع الأكبر من المستشارين الذين يعتمد عليهم العسكريون، ينتمون إلى التيار الناصري، ولعلنا نلحظ الأدبيات الجديدة التي تبحث عن القواسم المشتركة بين "عبد الناصر" و" عبد الفتاح السيسي".
لقد تم تهميش التيارين الليبرالي والإسلامي، مقابل إثراء لجنة لـ 50 باليسار الماركسي واليساري الناصري.. وهي الخطوة التي لا يمكن بحال أن يتجاوزها المراقبون بدون تأمل، لأنها تتضمن الكثير من الدلالات بشأن الخريطة السياسية لمصر ما بعد الفترة الانتقالية التي حُددت بتسع أشهر على الأكثر.
ويبدو أن ثمة أزمة كبيرة تنتظر اللجنة المشكلة لإقرار المقترحات التي قدمتها لجنة الخبراء "مجموعة الـ10".. فالتيار الليبرالي قلق للغاية، من المساس بالمواد التي تؤكد على الحريات العامة وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر وتداول السلطة وكل ما يتعلق بمفردات النظم الديمقراطية، وفي مجملها مواد تتصادم والفكر الاشتراكي الناصري والماركسي، ذات الخبرات والتراث الشمولي والمعادي للحريات، والمنحاز إلى عسكرة الدولة.. فيما يظل التيار الإسلامي ممثلا في "حزب النور" قلقا أيضا من الوجود اليساري الكبير في لجنة الـ50، لما يحمله من آراء ومواقف معادية للشريعة وللمادة الثانية من الدستور تحديدا.
لقد بات في حكم المؤكد، بأن التشكيلة الحالية للجنة، يجعلها ساحة للاصطفاف على أسس أيديولوجية تقوم على "الخصومة" وليس على "التصالح".. وهي في فحواها الحقيقي، ربما تؤسس لدستور إقصائي، وذلك بالنظر إلى الأوزان النسبية للقوى التي ستقوم بكتابته في غضون أسبوع من الآن.
أضف إلى ذلك أن اللجنة التي شُكلت في عهد الرئيس السابق د. محمد مرسي، كانت أفضل بكثير من لجنة الرئيس المؤقت عدلي منصور.. لأنه بمراجعة الأسماء التي اعتمدها الأخير، تجد أنها اختيرت بمعايير لا علاقة لها بالخبرات وبالوزن السياسي والثقافي والفكري والقانوني، بل اختيرت على أسس تعتمد على "التحالفات" الجديدة مع العسكر.. أو مكافأة بعض التيارات التي شاركت في عزل الرئيس الإخواني، أو مجاملة البعض لاستمالته أو إسكاته.. لتستكمل مسيرة "التهييف" في مصر.. من "تهييف" الدولة إلى "تهييف" الدستور.