حالة العنصرية فى التعامل مع معتصمى رابعة والنهضة بلغت حدا غير مسبوق فى تاريخ عمليات غسيل المخ فى العالم، حيث يسلك صانعو ومروجو هذا النوع من الدراما السوداء عن مجتمع المعتصمين، وكأنهم يخاطبون شعبا من الأطفال البلهاء، يستخدمون معه أساليب التنويم بالفزاعات، كما يحدث مع الصغار عندما يريدون إدخالهم للنوم فى فراشهم تحت وابل من حواديت الليل المرعبة.
وهذه واحدة من طرق النظم الاستبدادية لفرض هيمنتها على أدمغة الشعوب تحدث عنها المفكر الأمريكى نعوم تشومسكى فى مقال بعنوان «الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة» مستعرضا مجموعة من الاستراتيجيات التى تتبعها أنظمة القمع للتحكم فى البشر، ومن بينها استراتيجية تقوم على تشجيع الشعب على استحسان الرداءة: بحيث يجد أنه من «الرائع» أن يكون غبيا، همجيا وجاهلا لغته منحطة، تصرفاته غير متحضرة، وأفكاره متدنية، ويعتبر كل ذلك مرغوبا ومقبولا.
وعلى ضوء ذلك يمكن التعامل مع عمليات النهش اليومية فى سمعة معتصمى رابعة والنهضة، بطريقة أقرب إلى اعتبارهم كائنات مستباحة، فى إطار المشروع القومى لتشويه الاعتصام وتصوير المعتصمين وكأنهم مجموعة من مصاصى الدماء.
وفى مقابل ذلك أو بموازاته، يتحدثون عن مخازن أسلحة ومقابر جماعية ومضاجع لنكاح الجهاد، ومزارع للبط، وميادين رماية فى شقق سكنية لا تزيد مساحتها عن مائة متر للتدريب على العمليات المسلحة واستدعوا كل تجار الرداءة والبذاءة لينهالوا على أولئك الثائرين بكل عبوات القبح، ومن عجب أن من أهل يناير من يتماهى مع هذا السلوك الإعلامى الإجرامى ضد اعتصامات رافضى الانقلاب وكأنه اعتصام أبناء البطة السوداء.
إن الأبواق التى تشيطن هؤلاء النبلاء فى ميادين الاعتصام هى ذاتها التى شيطنت ثوار الغضب الرائع فى ٢٥ يناير ٢٠١١، وتسعى بكل جهد لإسقاطها من الذاكرة وتثبيت ٣٠ يونيو مكانها.
لقد أعادتنى هذه العنصرية البغيضة إلى ظهيرة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، حيث كتبت مقالا للنشر صباح اليوم التالى وقفزت فى المسيرة القادمة من شارع البطل أحمد عبد العزيز متجهة إلى التحرير.. بضعة أمتار فقط قطعتها مع المسيرة منحتنى شعورا بأن ما كتبته للنشر صباح اليوم التالى أصغر كثيرا من حجم ذلك الحدث، فعدت إلى مكتبى لأكتب شيئا يليق بهذا الشلال الثورى، ولم يستغرق ذلك أكثر من أربع دقائق لحقت بعدها بالمسيرة.
وتحت عنوان «أبوس الأرض تحت أقدام الغاضبين» قلت إن رباط حذاء أصغر متظاهر خرج أمس يهتف لمصر التى يريدها ويحبها أشرف من كل متقعر متكبر يختبئ خلف غابات مفرداته العقيمة وتنظيراته السقيمة.. وأنبل من كل رجل أعمال جبان تعامل مع الوطن باعتباره أحد المحاجر فكسره قطعا واستحوذ على ثرواته.
وأعلم يقينا أن غالبية المصريين الرائعين فى ميادين الاعتصام الآن هم من أبناء ثورة يناير، لذا أكرر ما قلته صباح اليوم الثانى فى ثورة يناير «نبوس الأرض تحت أقدامكم».
بقلم وائل قنديل