الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا ومولانا وحبيبنا ومعلمنا وإمامنا محمد وعلي آله وآصحابه الذي دانت بهم مشارق الآرض ومغاربها وكانوا هم من الفائزين الغالين ونحمد الله الذي خلقنا فسوانا وعلي موائد بره وكرمه ربانا وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أما بعد
فـ ياآيها الأخوه الآحباب موضوعي اليوم عن شئ منتشر في هذه الايام وربما تتعدد أسبابه وأنواعه ومسبباته
أنا فاشل
لا تقل أبداً : أنا فاشل
***
الفشل".. لفظة لا وجود لها في قاموس حياتي، لأني لا أعترف بها، واستبدلتها بجملة: "أنا لم أوفق".
لا تستعجلوا وتحكموا على من يقول هذا بأنه محظوظ، وأن حياته مليئة بالمسرّات، وأنه حاز كل ما يتمناه!
لا تقيّّموا شخصاً ما أنه إنسان ٌ"فاشل"أو"ناجح"..
لأنها مقاييس لا وجود لها عند من يحقق الإيمان بأحد أركانه وهو الإيمان بالقدر خيره وشره.
"الفشل" مظهر خارجي للعمل، يدركه الجميع بما يظهر لهم من نتاج السعي، فإن كانت النتيجة هي ما تعارف عليها الجميع أنها رديئة فهو في عرفهم "فشل"، وما تعارفوا أنه جيد وحسن، فهو إذاً "نجاح".
ولكن.. أين ما وراء الظواهر؟
أين علم الغيب مما يحدث من واقع السعي؟
فقد يكون من نحكم عليه بأنه "ناجح"، هو في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن النجاح.
ومن نرثي اليوم لفشله، قد يكون في قمة النجاح وهو أو نحن لا ندرك هذا.
عندما كنت أقرأ في سيرة الصحابي "زيد بن حارثة" –رضي الله عنه- حِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعلمت كيف لا أصدر حكمي على الأمور بظاهرها، أو أجعلها مقياساً لتحديد النجاح والفشل في حياتي.
عندما أراد الصحابي زيد - رضي الله عنه - الزواج، ولما كانت منزلته الكبيرة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهد لها الجميع، فقد خطب له النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنة عمته زينب - رضي الله عنها وأرضاها - فقبلت به لأنها تعلم تلك المنزلة، رغم فارق النسبين.. فقلت في نفسي:
إنهما مثالاً لأنجح زوجين، فهو ربيب النبي -عليه صلوات ربي وسلامه - ويملك ما يجعله مثال الزوج الصالح في نظر أي امرأة..
وهي ابنة الحسب والنسب العفيفة الشريفة ذات الأخلاق الكريمة ولست أهلاً لأزيد من الثناء عليها - رضي الله عنها -.
ومع ذلك، انفرط عقد زواجهما، وانفصلا بالطلاق!
فهل يمكنني أن أصف زيداً بأنه "فاشل"؟
وهل يمكنني أن أصف زينب بأنها "فاشلة"؟
أليس الطلاق بين الزوجين علامة لفشلهما في تحقيق الاستقرار الأسري؟
إذاً حسب المقاييس التي اتفق الجميع عليها، هما "فاشلان"؛ وحاشا لله أن يكونا كذلك.
فقد قدّر رب العالمين أن تنتهي رابطة الزواج بالانفصام.. ليبدأ بعدها رباط أقوى وأسمى لكل منهما.
فقد كان أمر الزواج والطلاق بعد ذلك لحكمة خفيت على الجميع، وهي إبطال التبني، ونحن نعلم أن زيداً كان في البدء يُنسب لسيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - بحكم تبنيه له.. وكان يُدعى "زيد بن محمد".
ولأن الله أنزل تشريع الأحكام متدرجة بما يتناسب مع المجتمع حينها، وقد تعارف الجميع على جواز التبني، وجواز أن يرث الرجل إحدى نساء أبيه بعد موته.
طلق زيدٌ زينب... فأمر الله - تبارك وتعالى – نبيه –صلى الله عليه وسلم- أن يتزوجها..
فأدرك المسلمون أن التبني محرم، والدليل زواج نبيهم –صلى الله عليه وسلم- بطليقة من نسبه إليه
الله أكبر!
وها هي زينب قد تحولت في نظر النساء -وأنا منهن-! إلى امرأة محظوظة "ناجحة"!
وتزوج زيدٌ من امرأة أخرى، وأنجبت منه "أسامة بن زيد بن حارثة" حِب ابن حِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. ونجح في تربية "أسامة" الصحابي القائد لجيش يضم كبار الصحابة، وهو في الخامسة عشرة من عمره!!.
فأين تقييم "الفشل" و"النجاح" في ما حدث؟!
ولأضرب لكم مثلاً من عصرنا الحاضر:
يتقدم طالبان لامتحان القبول لمعهد العلوم المصرفية! ينجح الأول في امتحان القبول وبتفوق، ويعود لأهله يُبشرهم بهذا "النجاح"، بينما لم يحقق الثاني درجة القبول، فيرجع لأهله ليلقى اللوم والتقريع على تقصيره في الاستعداد للامتحان بمزيد من الدراسة والمذاكرة، رغم أنه بذل أقصى ما بوسعه!.. ولأنه في نظر من حوله -ونظره هو أيضاً- "فاشل" فقد أصيب بالإحباط، وانزوى في بيته يتجرع كؤوس الندم.
الأول يصبح رئيس بنك ربوي عظيم ذو شأن.. بمرتب كبير، مكنه من اختيار زوجة جميلة من أسرة عصرية، وعاش حياة مرفهة..
وأما الثاني فما وجد أمامه سوى أن يتعلم مهنة بسيطة عند أحد الصناع.. فاكتسب منه خبرة ومهارة أهلته ليفتح ورشة منفصلة بعد سنوات.
حقق منها دخلاً مناسباً ليبني أسرة ناجحة.. وعاش حياته برضى وقناعة.. ومع مرور السنوات أصبح مالكاً لأكبر الشركات التجارية والمقاولات الإنشائية.
في رأيكم.. من هو"الفاشل" ومن هو"الناجح"؟!
هل هو الأول، الذي جنى أموالاً ربوية كنزها وسيحاسب عن مدخله ومخرجها؟
أم هو الثاني، الذي رُزق رزقاً حلالاً طيباً من كدّه وعرقه، وصرفها في إسعاد أهل بيته؟!
لو كنت مكان الأول، لتمنيت لو أني لم أنجح في امتحان القبول..
ولو كنت مكان الثاني "الفاشل" لحمدت ربي على عدم توفيقي في الامتحان،.. "فشلي".
إن ما يحدث لنا، إنما هو ابتلاءات من الله، أو استدراج لمن اختار طريق الغواية ودروب الشيطان.
قد يحدث أن تسير على طريق شائك حافي القدمين، وبدون انتباه تدخل شوكة في باطن قدمك، قل: الحمد لله..
فما أصابك من ألمٍ فيه خير لك، فقد كفّر الله بها خطاياك، وأثابك على ألم الشوكة... أفلا تقول: الحمد لله؟
تتقدم لطلب وظيفة فتُرفض ويُقبل غيرك رغم استحقاقك لها، قل: الحمد لله.. فعملٌ أفضل منه ينتظرك، وهو أصلح لك من الأول. وقد يكون رئيسك فيه أطيب خلقاً، أو تجد فيه صحبة طيبة، أو يكون محل العمل أكثر قرباً لمسكنك فتكسب الوقت لقضاء عبادة تنفعك في الآخرة... أفلا تقول: الحمد لله؟
تتقدم لخطبة إحدى النساء اللواتي تحلم بالزواج منها، فتعترض أمورك عوائق، قل: الحمد لله..
فزوجتك الصالحة تنتظرك، لتلد لك أبناءً أصحاء، ربما ما كانت الأولى ستلد لك مثلهم!... أفلا تقول: الحمد لله؟
تعزم على السفر لقضاء مهام أو عقد صفقة تجلب لك المال والسمعة والوجاهة، ولكنك تفوّت موعد الطائرة، فتفقد صفقتك.. قل: الحمد لله..
فربما خسرت صفقة تجلب لك مالاً، ولكن ربما كسبت مقابلها فرضاً للصلاة صليته في مسجدك وخشعت له جوارحك وبكت له عيناك، فكسبت مغفرة ورحمة من الله تضفي عليك سعادة لم يذقها أحدٌ من قبلك من ذوي الصفقات اللاهثين خلف جمع المال!.. أفلا تقول: الحمد لله؟
لا تقل: "فشلت"..، بل قل: "لم يوفقني الله".. والحمد لله على كل حال..
لا تقل: "أنا فاشل"..، بل قل: "أنا متوكل".. وخذ بالأسباب..، وقل: الحمد لله على ما قدّر لي مسبّب الأسباب.
لا تقل: "أنا لا أملك شيئاً"..، بل قل: "الله ربي ادخر لي من الخير ما لا أعلمه".. والحمد لله يرزق من يشاء بغير حساب.
لا تقل: "أنا لا شيء"، بل.. أنت شيء.. كما أنا شيء.. والآخر شيء، فاطلب ربك أن يدخلك في رحمته التي وسعت كل شيء. وأنت شيء.. أنت في نظري كل شيء..
يا عاقد الحاجبين..
ابتسم من فضلك، ولا تحزن..
وعاود الكرة.. واستخر ربك في كل خطوة تخطوها.. وارض بما قسمه الله لك من نتيجة أمرك..
ولا تقل بعد اليوم: "أنا فاشل".. بل قل:
"أنا ناجح" بإيماني..
"أنا ناجح" بطموحي لإرضاء ربي..
"أنا ناجح" لحبي لنبيي –صلى الله عليه وسلم-...
"أنا ناجح" لأني مسلم.. وهذا يكفيني.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدآ عبد الله ورسوله رضيت بالله تعالي ربآ وبالإسلام دينآ وبسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم نبيآ ورسولآ عباد الله ..: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ