موضوع: الحب الإلكتروني .. الوهم القاتل الأربعاء سبتمبر 18, 2013 11:57 pm
الحب الإلكتروني .. الوهم القاتل
ساهم الإنترنت في تطور أشكال العلاقة بين الشباب والفتيات وظهور نماذج جديدة من الارتباط العاطفي بينهما ، وزادت المآسي بعد انتشار المنتديات سيئة السمعة ، لكنَّ الخطرَ قائمٌ أيضًا من خلال المحادثات الأخرى التي تناقش الموضوعات هادفة ، وربما ينشأ عبرها علاقات خاصة بين أعضائها من الجنسين . عن العلاقات المختلفة التي تنشأ بين الشباب المشترك في منتديات ذلك العالم المتعدد ، والذي غالبًا ما يقوم على أساس عقلي وجاد ويناقش العديد من الموضوعات الهادفة ، ولكن قد تنشأ بعض العلاقات الخاصة بين الأعضاء . فما أشكال تلك العلاقات ؟ وهل تتحول إلى ارتباط عاطفي ؟ وهل يعد ذلك مخالفةً شرعيةً ، فضلاً عن تأثيره الاجتماعي والنفسي على أصحابها ؟. ربح أم خسارة
يقول أحمد صبري مشرف في أحد المنتديات الطلابية : إن المنتدى ساحة للتعارف بين مختلف أجناس البشر ، ويُوفِّر كامل الحرية للتعبير عن الآراء وطرح وجهات النظر والأفكار المختلفة ومناقشة القضايا والموضوعات الهادفة ، مع وضع ضوابط وأسس لعدم انتهاك حرية وخصوصية الآخرين ، ومنها عدم المساس بثوابت الدين والعقيدة وعدم إدراج أي صور أو مواد تحمل مخالفات دينية أو أخلاقية ، وكذلك عدم الترويج لأي مذهب ضال مخالف لأهل السنة والجماعة ، وعدم إدخال أي بيانات خاصة حتى لا يستغلها البعض من مرضى القلوب . أما فهد علام فلم يكن يعرف المقصود من المنتدى ، وكيف يشارك فيه قبل عام تقريبًا حتى اشترك في أحد المنتديات ، ويقول : إن كنت قد ربحت بعض الشيء من دخولي عالم المنتديات كتحسن أسلوبي في الكتابة وطرح ومناقشة الموضوعات ؛ إلا أنني خسرتُ الكثير من الوقت ، وتعرضتُ لمواقف فيها من الخداع الكثير لأني لم أتيقن تمامًا من الشخصية الحقيقية لمَن أتعامل معهم . خداع وألم
وتحكي "نهى. س" تجربتها عن المنتديات فتقول : للأسف العلاقة التي تنشأ عبر المنتدى ما هي إلا وهم وخداع وحب غير حقيقي ؛ لأنه ينتهي في لحظة ومحكوم عليه بالفشل إذا لم تكن الظروف مهيأةً لنجاحه ، وتضيف : لقد تعرضتُ لتجربة قاسية جعلتني أتوب وأبتعد تمامًا عن المناقشة في المنتديات ، فقد أعجبتُ بكتابات وردود أحد الشباب حتى ارتبطتُ به عاطفيًّا وتبادلنا المشاعر الجميلة لفترةٍ دون أن أدري أنه شخصٌ زائفٌ يكبرني بـ20 عامًا ، وكل ما يكتبه مقتبس من مواقع على النت، وكانت الصدمة التي ما زلت أعاني جراحها حتى الآن . فيما لا يضع "خالد ط" ثقته في أي فتاةٍ تدخل على الإنترنت أصلاً بأي شكل سواء غرف الشات أو المنتديات حتى لو كانت جادة وهادفة فيقول : لا يمكن أن أتزوج بهذه الطريقة التي لا أعرف فيها حقيقة الفتاة التي أكلمها ، ومع من غيري تتحدث ، ولا أظن أن هذا الزواج بهذا الشكلٍ ينجح إلا في حالات نادرة ، وإذا تركت لنفسي العنان فإن حالات الحب والإعجاب لن تنتهي . حب وزواج
قصة مختلفة يحكيها يوسف محمد فيقول : تعرفتُ على زوجتي من خلال أحد المنتديات التي كنا نتبادل فيها الرأي ونعرض وجهات النظر حول مختلف القضايا ، وبعد مدةٍ من الإعجاب المتبادل قررتُ التقدم لخطبتها بعد سؤالي عنها وعن ظروفها ، وبالفعل تعرفتُ عليها بشكلٍ مباشر ، وتُوجت علاقتنا بالزواج الذي باركه الأهل وفرحوا به . علاقة زائفة
تقول د. سمية الألفي أستاذة أصول التربية بكلية البنات جامعة عين شمس : عالم المنتديات له الكثير من النواحي الإيجابية التي يمكن الاستفادة منها ، خاصةً في مجال التخصص العلمي ، وتنمية المهارات الثقافية المتنوعة وكل ما له علاقة بالعلم والعمل والتقدم ؛ فهي قد تكون وسيلة للتعلم الذاتي ، وتهتم بعرض الموضوعات والقضايا الجادة والهادفة للمناقشة والحوار حولها . وتستدرك قائلةً : لكن البعض قد ينتقل من العرض العقلي والمناقشة الجادة والتعارف العام بين الأعضاء إلى مرحلة الانتقاء بين البعض نتيجة الإحساس بالألفة والانجذاب العقلي ، ومن بعده الانجذاب العاطفي ، وقد تسير العلاقة هنا في اتجاهين ، إما تكتمل في إطارٍ شرعي ، وهو الزواج ، وإذا حدث هذا لا بد أولاً من تدخل الأهل والتأكد من صحة البيانات لكلا الطرفين ؛ أو تستمر علاقة عاطفية وهمية وتتدرج لما هو أسوأ . وتضيف : لذلك لا أنصح الشباب بالدخول في أي علاقةٍ من خلال الإنترنت ؛ لأنه عالم لا يقوم على أسس سليمة أو معلومات صادقة ، وقد يتعرَّض أحد الطرفين لتزييف بيانات الطرف الآخر كاملةً ، وكذلك عدم القدرة على التحقق منها ومن صحتها ، فهذه العلاقات تبدأ بسيطة وقد تصل لما هو أسوأ مثل العلاقات الخاصة أو الافتراضية ؛ فقد يستغل البعض الظروف الاقتصادية الصعبة للشباب ، وارتفاع سن الزواج ؛ ويبحث عن الحب بطرقٍ غير شرعية أو يستغل سذاجة بعض الفتيات ؛ ويدخل إليها عن طريق المدخل العقلي وكأنه يجاريها عقليًّا حتى تقع في شباكه ، والشاب الذي يفعل هذا لا يثق في أي فتاةٍ، ومن ثَمَّ لا يرتبط بها بالزواج الشرعي . وتؤكد د. سمية الألفي أن العلاقات الطبيعية هي العلاقات الاجتماعية المباشرة التي تقوم على أساس إعجاب متبادل بين الطرفين قد تكون داخل الإطار الاجتماعي في البيت أو النادي أو مكان العمل فتكون علاقةً عقليةً ونفسيةً وعاطفيةً سليمةً وسط ظروف مناسبة اجتماعيًّا وثقافيا ودينيًّا وأخلاقيًّا ، وتتم في إطارها المشروع ، ولا تتعدى الحدود والقواعد العرفية التي نضعها لحماية أبنائنا من الخطأ والانحراف . وتنتقد التعرف عن طريق المنتديات فهي تمثل إعاقة للعلاقات الاجتماعية السليمة والاغتراق في علاقات غير مباشرة ، وقد تكون غير حقيقية ، وكذلك تضييع الوقت والعمر أمام هذه المنتديات والتمادي فيها ، وتضيف أن المشكلة الأسوأ هي تبادل الرسائل الخاصة والحديث عبر الماسنجر ، وإذا وجدت كاميرا فهنا قد تكون الكارثة فقد يصلوا إلى علاقة افتراضية كاملة من خلال هذا الوضع أو يتم اللقاء بينهما في مكان خاص ؛ وذلك في ظل غياب الوازع الديني وانعدام رقابة الأهل، ومن ثَمَّ قد يصبح الأمر مأساةً . وتوضح أن هذا الارتباط الواهي لا يوجد عليه أية ضمانات كي يستمر ، وقد ينتهي الموضوع في لحظة لأي سبب ، ومن هنا تكون صدمة كبيرة ؛ لذلك فالمنتديات الاجتماعية غير آمنة ، ويجب ألا يتعدى التعامل بين المشاركين فيها النواحي العلمية أو المهنية فقط ، ولا يترك المرء لنفسه العنان كي يدخل في علاقات خيالية مع أشخاص لا يراهم ، ولا تدل على حقيقتهم بعض الكلمات التي يسطرونها . مخالفات شرعية
ويؤكد د. بركات دويدار أستاذ الشريعة وعميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر (فرع طنطا) سابقًا أن التمادي في علاقات غير صحيحة عبر وسائل الاتصال الحديثة بحجة التعارف وإنشاء علاقات وتبادل الثقافة والمعلومات .. أدَّى إلى ظهور العديد من المشاكل الأسرية والأخطار التي تهدد الشباب . ويضيف كل هذه مسميات اختلقها شياطين الأنس والجن للتلاعب بعقول وقلوب هؤلاء الشباب ، فكم من علاقةٍ بريئةٍ على الإنترنت وصلت إلى زواجٍ عرفي بين الشباب والفتيات أو بين المتزوجين وبنات صغيرات حتى باتت البيوت مهددةً بالفتن والأخطار من كل جانب والمخالفات الشرعية في أشكال الاتصال هذه كثيرة وعواقبها وخيمة . وبتابع قائلاً : وفيها تتبع خطوات الشيطان الذي يتدرج معهم ببطء وعلى مهل حتى يصل إلى غايته ، ويقع الطرفان في الخطأ، فمن النقاش إلى الإعجاب إلى الكلام إلى اللقاء إلى النهاية المعروفة ، وكما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطْوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطْوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} النور (21) ويضيف : وقد يصل التعارف إلى زواج ، ولكن لا بد أن يُستوفى شروطه وأركانه حتى يكون صحيحًا ، ويسير في إطاره الشرعي من عدم الخلوة ومعرفة الأهل والتكافؤ بينهما في الدين والأخلاق والعلم والتربية ووجود ولي الفتاة ، وتحديد المهر ووجود شاهدي عدل ، وتوفر الإيجاب والقبول والإشهار ، أما التعارف على الإنترنت ومن خلال المنتديات حتى ولو كانت ملتزمةً أو جادة وهادفة فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال ، ويتخطى الحدود الشرعية التي يجب أن تكون بين الرجل والمرأة في أي شكلٍ من أشكال التواصل ، ولا تعد أكثر من وسيلةٍ للتعارف بين الناس . ويشدد على أنه إذا وصل التعارف إلى مستوى الإعجاب بين طرفين فلا بد ألا يتعدى كونه مقدمةً لخطبة شرعية ، وتقف عند هذا الحد ليكتمل بعد ذلك الشكل المعروف للخطبة والزواج، كما أوضحنا . ويبين أن ضوابط التعارف بين الرجل والمرأة معروفة في الإسلام ، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ؛ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى وَلَيْسَ لَك الْآخِرَةُ"، وعند الخطبة أباح الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينظر الرجل إلى المرأة أكثر من مرة حتى يتأكد من قبوله لها ، وهي كذلك عندما جاءه أحد الصحابة يسأل عن الخطبة فقال له : "انظر إليها فإنه عسى أن يؤدم بينكما" أي يحدث القبول الذي يستكمل على أساسه الزواج إذا توفرت الشروط وتهيَّأت الظروف . وينصح كل فتاة ألا تتساهل في هذا الأمر حتى لو تمَّت الخطبة في علاقة قد لا تكتمل وهي ما زالت أجنبية عنه ، وقد يتم فسخ الخطبة لأي سبب ؛ فماذا سيكون الحال إذا تجاوزنا خلالها الأحكام الشرعية ووقعنا في المخالفات والمحاذير ؟ والحل كما يراه د. دويدار هو التمسك بتعاليم ديننا وقيمنا الثابتة وهويتنا الإسلامية والعربية الأصيلة فلا ننساق وراء الأفكار الغربية الهدامة التي تفسد الأسرة والمجتمع ؛ فإذا نظرنا إلى الغرب الآن نجده يعاني من ويلات المدنية الغربية التي لا تقوم على أي أسسٍ أخلاقية أو مبادئ سامية وتدعو إلى الحرية في إشباع الغرائر بأي شكلٍ من الأشكال . ويطالب بعودة الأسرة للقيام بدورها كواحة الأمن والأمان وحصن الدين والخلق والتربية للأبناء ، وعلى الوالدين أن يجدا الوقت الكافي للاهتمام بالأبناء ومعرفة مشاكلهم ومشاركتهم همومهم وأحلامهم ؛ حتى نقيهم شرور هذه الفتن ، وحتى لا نندم بعد فوات الأوان ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" رواه أحمد فراغ عاطفي
توضح د. سوسن فايد خبيرة علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية : أن هذا الشكل للاتصال يعدُّ من معطيات العصر وتبادل العلاقات بين الشباب والتعارف في عالمٍ افتراضي هو شكل حديث من أشكال التطور الذي يفرض نفسه ، وقد يصبح الإنترنت الآن بديلَ الخاطبة . وتقول : وفي المنتديات بشكلٍ خاص تبدأ العلاقة بتجاذب الأفكار والارتياح العقلي والانسجام الفكري مع الآخر ، وقد تتحول بعض هذه العلاقات من عالم افتراضي إلى عالم واقعي عن طريق إعطاء مساحة أكبر من التعارف على أرض الواقع . وترى أنه قبل التورط في ارتباطٍ حقيقي يجب اتباع إجراءات الخطبة وضرورة التحرك تحت الشمس والبحث والتفتيش حول مدى التكافؤ الاجتماعي والثقافي بينهما ، ولأننا في المنتديات نُكوِّن صورةً خياليةً عن الطرف الآخر ، فلا بد من التأكد إذا كان هذا الاتفاق العقلي والفكري والانجذاب الذهني صادق أم لا .. فمن السهل الخداع في هذا العالم الافتراضي والحكم عن قرب هو الذي يفصل بين الحقيقة والسراب . وتضيف : من مصلحة الشباب إذا وصلوا لهذه الدرجة من الارتباط التأكد أولاً من صدق مشاعرهم ، ووجود الأسس السليمة التي يبني عليها الزواج الناجح ، ولا بد من تواجد الأهل بخبرتهم ونضج تفكيرهم ، ولأن العاطفة وحدها لا تكفي وعمرها قصير ، فقد تتغير المشاعر وتتبدل حتى بين المحبين ، فلا بد من التفكير السليم وإعطاء وقتٍ كافٍ للتأكد من كل ذلك حتى يكون القرار سليمًا . لا تنخدعي
توجه د. سوسن كلمةً إلى كل فتاةٍ ألا تنخدع بنداء العقل الذي يأسر معه القلب ، ومن ثَمَّ قد تقع فريسةً في شباك مَن لا يرحم ، فلا تُورِّط نفسها في علاقةٍ وهمية ؛ لأن انحرافات الحب الإلكتروني كثيرة على أرض الواقع ، وقد تدخل في تجربةٍ غير سليمة تعاني من تأثيرها السيئ على المدى الطويل . وتضيف : لأن الشباب قد يكون لديه الفراغ العاطفي واحتياج شديد لإشباعه ، وقد يتوهم الوصول إلى ذلك الإشباع عن طريق علاقات وهمية لا يراه فيها أحد ، ولكن من المؤكد أنه يخسر فيها احترامه لذاته وثقته في الطرف الآخر ، واستسهال الخطأ والتمادي فيه دون رقيب . والحل يكون في توعية هؤلاء الشباب بالخطر المحيط بهم ، ومحاولة شغل أوقات الفراغ فيما يُفيد ، والتحكم في الرغبات والمشاعر حتى يحين الإشباع المشروع لها بالزواج .
منقول
اقتباس :
هل تريد أن يُبارَك لك في علمك ؟
قال الإمام الألباني : قال العلماء : (من بركة العلم عزو كل قول إلى قائله )، لأن في ذلك ترفّعاً عن التزوير